أهمية تنوع مصادر الغذاء والمحاصيل البديلة لمواجهة التغيرات المناخية ونقص المياه

إعداد الدكتور أبو بكر الصديق يوسف

يواجه العالم اضطرابات وأزمات متتالية بالإضافة إلى تغير متسارع بشكل غير مسبوق في الظروف المناخية ونقص متزايد في المياه الصالحة للاستهلاك الآدمي والإنتاج الزراعي مما أدى إلى تدهور في إنتاجية المحاصيل الاستراتيجية إثر تعرضها لظروف غير مناسبة بيئية أو ظهور آفات جديدة وزيادة حدة الإصابة نتيجة تغيير المناخ. في ظل هذه التغيرات أصبح لا بد من التفكير في حلول مبتكرة من أجل الحفاظ على الأمن الغذائي والمائي والحفاظ على الموارد الطبيعية والحفاظ على استمرارية الإنتاج والعمل على خفض التدهور في الإنتاج، إن التفكير في مواجهة آثار التغيير المناخي ليس بالشيء الجديد حيث ان هناك جهود مستمرة منذ عدة عقود لتطوير الزراعة والتكييف مع هذه التغيرات، مثل أساليب الري الحديثة واستخدام البيوت الزراعية واستخدام أساليب الزراعة الذكية واستنباط نباتات مقاومة بالإضافة إلى استخدام مركبات خاصة بتحفيز النبات ورفع قدرته على مواجهة الضغوط من الممارسات المستخدمة لضمان استمرار إنتاج اقتصادي تحت ظروف وتحديات على مستوي الماء والمناخ وجودة التربة المتأثرة بشكل كبير بهذه العوامل. خلال هذه المقالة سنتناول المحاصيل البديلة ومحاولة طرح بدائل يمكن التفكير بها لتحقيق الاستقرار والأمن الغذائي.

تنوع وتحسين المحصول

أبرز المحاصيل الإستراتيجية عالمياً هي القمح والذرة والأرز وفول الصويا، حيث يعتمد عليهم العالم بنسب تصل إلى ثلثين كمية غذائه وتشير التقارير إلى انخفاض إنتاجية معظم هذه المحاصيل وغيرها متأثرة بظروف التغير المناخي. قد كان ومازال هناك عدة محاولات لرفع قدرتها الإنتاجية تحت ظروف الإجهاد المختلفة عن طريق استنباط سلالات قادرة على تحمل الظروف البيئية أو الحيوية الغير مناسبة ولكن لابد أن يتم العمل على أكثر من مسار حتى يستمر تحسين المحصول واستنباط أفضل الأصناف لمواجهة الظروف القائمة والمتوقعة بالإضافة إلى الأخذ في الاعتبار ضرورة التوجه إلى المحاصيل البديلة والتنوع في المحاصيل لمواجهة تحدي محدودية الموارد فلابد من اختيار المحاصيل بعناية ودراسة مبنية على أسس علمية للحصول على أعلى استفادة من وحدتي الأرض والماء بإدخال أكثر من بديل لكل محصول إستراتيجي مما يحقق التنوع المطلوب في مصادر الغذاء ويحقق استقرار في الأمن الغذائي وإصدار التشريعات والقرارات المساعدة لهذا التوجه فعلى سبيل المثال في مصر تم إصدار تعليمات بتخفيض مساحات بعض المحاصيل المستهلكة للماء مثل الأرز ومنع زراعة الموز بالأراضي الجديدة بالإضافة إلى زيادة الاستثمار في التوجه إلى إنتاج السكر من بنجر السكر لقدرته على تحمل ظروف الملوحة والجفاف مقارنة بقصب السكر الذي يحتاج إلى أكثر ضعف احتياجات البنجر من الماء بالإضافة إلى موسم نمو أطول مقارنة بمعظم المحاصيل الإستراتيجية.

هناك عدد من المحاصيل التي لها القدرة على تحمل الظروف البيئية القاسية والمرشحة بقوة للعب دور في سد الفجوة الغذائية بزيادة المساحة المزروعة بها في الفترة القادمة مثل الكينوا والدخن واللوبيا ودوار الشمس الدرني، فلذلك يجب الاهتمام بتوفير المعلومات اللازمة للمزارعين والمستثمرين والمستهلكين وتوفير الدعم الفني من الهيئات البحثية والإرشادية والشركات للنهوض بهذه المحاصيل الواعدة في ظل الأزمات المتلاحقة والتغيير المناخي الحاد والشح المائي.

أبرز المحاصيل البديلة الواعدة:

الكينوا: من النباتات التي ظهرت بقوة كمحصول حبوب يستطيع ان يحل بديلا عن العديد من المحاصيل الإستراتيجية حيث أن له قدرة على النمو في ظروف النقص المائي والملوحة المرتفعة والتربة الضعيفة حيث أنه يحتاج إلى حوالي ثلث احتياج القمح من الماء، و هذا النبات ليس مستحدثا بل بالعكس هو من النباتات المزروعة منذ أكثر من 5000 سنة و منشأه أمريكا الجنوبية وله خصائص غذائية ممتازة حيث كان يسمي بأم الحبوب حيث يحتوي علي معظم الأحماض الأمينية ميسرة الهضم وخالية من الغلوتين ويمكن أيضاً إنتاج اللبن النباتي من الكينوا.

الدخن او السورجم: من نباتات العائلة النجيلية الذي يدخل بقوة كبديل لمحاصيل الحبوب لقدرته على النمو والإنتاج تحت ظروف الجفاف والحرارة ومقاومته للظروف القاسية ويستخدم في تغذية الإنسان ويدخل في صناعة الأعلاف ومن مميزاته أيضاً قلة احتياجاته المائية والسمادية مقارنة بالأرز أو الذرة وأن فترة النضج قصيرة حيث يصل إلى مرحلة النضج في خلال 60 إلى 90 يوم. أعلنت الأمم المتحدة أن سنة 2023 هي السنة الدولية للدخن لنشر أهمية زراعته لمواجهة النقص الحادث نتيجة التغيير المناخي مما يبشر بأن الوضع قد يتغير قريباً للأفضل في ظل عالم يتسم بتغير قاسي في المناخ.

الطرطوفة: نبات دوار الشمس الدرني أو الطرطوفة (Helianthus tuberosus ) من النباتات المعمرة الدرنية ذات المحتوى الغذائي المميز وينتج الفدان حوالي عشرة إلى خمسة عشر طن من الدرنات بالإضافة لمجموع خضري تقريبا بنفس الكمية يمكن استخدامه في تغذية الحيوان ويمكن أن يكون بديلاً جيداً للبطاطس حيث يتحمل درجات الملوحة العالية وظروف الإجهاد

استخدام محاصيل الغطاء للتخفيف من تأثير تغير المناخ والتكيف معه

محاصيل الغطاءCover crops هي مجموعة من النباتات لها خاصية النمو السريع وتغطية سطح التربة ولها تأثير كبير للمحافظة على التربة الزراعية وزيادة جودتها وتحقيق أكبر استفادة من المياه فعلى سبيل المثال يتم استخدام البرسيم أو بعض المحاصيل البقولية لتثبيت النيتروجين وتحسين التربة ومكافحة الحشائش عند زراعته في مسافات الزراعة للمحاصيل المختلفة وقد تم تحول كثير من محاصيل التغطية لما لها من قدرة على النمو في الظروف الغير المناسبة ومنافسة الحشائش إلى محاصيل استراتيجية مثل نبات Thlaspi أو pennycress المشهور بإسم شجرة الكرنبية وهو نبات مزهر وأحد أنواع المحاصيل الزيتية البديلة إذ تحتوي بذوره على 22 – 36 ٪ من الزيت وينتمي إلى فصيلة الملفوف Brassicaceae التي